نصيحة لجميع المسلمين في العراق قواعد تغيير المنكر باليد للقادر عليه في موضع تكون الولاية فيه لغيره ربح صهيب مسائل في الشان السوري كلمة الدكتور عبد الكريم زيدان في مؤتمر الشيخ امجد الزهاوي المنعقد في مركز الزهاوي للدراسات الفكرية شرح الاصول العشرين أثر الشريعة في الحد من المخدرات الحكم الشرعي في الدعوة الى الفدرالية او الاقاليم في العراق
دعوة مستجابة
مقال كتبه الدكتور عبدالكريم زيدان, ونشر في مجلة التربية الاسلامية العراقية في سنتها التاسعة عشر بعددها السادس من عام 1397 هـ/ 1977م.
بقلم الدكتور/ عبدالكريم زيدان
1) حدثني من اثق به, قال حضرت مجلسا ضمّ اشتاتا من الناس لا يجمعهم جامع سوى كبر السن فقد تجاوزوا جميعا الستين وقاربوا السبعين من اعمارهم, وكانت احاديثهم شتى لا تجري على نهج واحد ولا تهدف الى هدف معين, وكان مما انجرت اليه احاديثهم مسالة الدعاء واجابته, وراح كل واحد منهم يروي ما سمعه او شاهده من امور الدعاء وسرعة اجابته , وكان مما قيل في ذلك المجلس ما رواه احدهم في هذا الموضوع اذ قال:
2) كنت قبل اربعين سنة او نحو ذلك اشتغل بتجارة الاغنام اشتريها من القرى والارياف وابيعها في المدن, وكانت مهمتي هذه تقتضيني التجوال والتطواف في انحاء العراق المختلفة حتى صرت معروفا لدى معظم اهل قرى العراق واريافه وبواديه. وفي اثناء تجوالي في قرى العراق الجنوبية مررت بإحدى المزارع وكان اهلها منشغلين بحصاد زروعهم من حنطة وشعير, وكانوا يكدسون ما يحصدون في اماكن معينة تمهيدا لنقلها الى مخازنها. وفي تلك الاثناء اقبل صبي لا يتجاوز عمره الثانية عشر وفرش عباءة وراح يجمع فيها ما يجده في الارض من سنابل مكسرة وحبوب سقطت من الفلاحين اثناء حملهم ما كانوا يحصدون. وبينما كان ذلك الصبي منهمكا في عمله اذ اقبل رجل ممتطياً جواده وبيده بندقية والغضب يلوح على وجهه حتى اقترب من الصبي وصرخ في وجهه واخذ يسبه ويلعنه وقال له ما معناه ألم انهك عن هذا العمل, واطلق بندقيته عليه فسقط الصبي والدم ينزف من رأسه وصدره ثم ولى ذلك القاتل المجرم مدبرا مسرعا حتى غاب عن الانظار, اما انا فقد بقيت في مكاني مدهوشا امام هذا المنظر المفجع, فقد سقط الصبي متضرحا بدمائه على العباءة التي جمع فيها شيئا من حبوب الحنطة وسنابلها المكسرة, واقبلت امرأة تصرخ وتصيح: ولدي ولدي حتى وصلت اليه فتحركت انا ووصلت اليه, فرفعته امه بين يديها وهو جثة هامدة وقد غطت وجهه, ورفعت راسها الى السماء والدموع تجري على خدها والعبرات تكاد تخنقها وقالت بصوت متهدج لا يكاد يبين (يا رب اريدك تأخذ ثار ابني , فانت مو – أي لست – صغيرا حتى تكبر, ولا غائبا حتى تحضر).
ثم لفته بالعباءة المفروشة بعد أن ألقت ما فيها من حبوب وسنابل وحملته على ظهرها وسارت به مسرعة كأنها لا تحمل على ظهرها شيئا, اما انا فبقيت لا اتكلم بشيء, فقد عقد الحزن لساني وبقيت مبهورا مما رأيت, وزاد من حزني ما شاهدته من تلك الام المفجوعة وما سمعته من دعائها الحار المؤثر, وتوارت الام عن نظري وراء اكوام الحنطة والشعير, فتحركت انا شطر بيوت القرية وبعد اكثر من ساعة وصلت نادي القوم (الديوان) والقيت بنفسي على بساط وانا في غاية الارهاق والاسى واذا بالقاتل امامي جالسا في صدر الديوان يضحك ويثرثر والحاضرون له يسمعون ثم تمدد القاتل واخذ وسادة وضعها تحت رأسه وغطى جسمه بعباءته وسرعان ما علا شخيره ونخيره وراح يغط في نوم عميق, وقام بعض الحاضرين وبقي آخرون يتحدثون باحاديث شتى, اسمع أصواتهم ولا افقه ما يقولون لأني ما زلت مدهوشا مما رأيت. ولم يطل بي المقام واذا بغبار يثور من بعيد ثم اخذ ذلك الغبار يشتد ويقترب شيئا فشيئا من الديوان مما جلب انظار الحاضرين فمدوا اعناقهم محدقين في هذا الغبار الذي يكاد يدخل ديوانهم ولا يعرفون له سببا, واذا بثعبان عظيم اسود يخرج من خلال ذلك الغبار ويدخل الديوان ويتجه نحو القاتل كانه سهم أطلقه صياد ماهر, وصرخ القاتل صرخة هائلة فقد عضه ذلك الثعبان في حلقومه, وساد الحاضرين هرج ومرج وصياح وخرجوا من الديوان هاربين متدافعين ثم عادوا بالفؤوس والمساحي والبنادق يريدون قتل العثمان, ولكن الثعبان ادى واجبه ورجع من حيث اتى واختفى عن الانظار.
3) واقبلوا على القاتل القتيل واذا به قد اسود وجهه واندلع لسانه وصار جثة هامدة, وعلا الصياح وجاء اهل القرية وامتلا الديوان بالرجال والنساء والصبيان, وأقبل شيخ العشيرة وافسحوا له المجلس فجلس, وسمع القصة ممن شهدها فتعجب مما سمع ولم يستطع تفسير ما وقع, فقلت في نفسي: الآن وجب الكلام فقد انزاحت عني تلك الدهشة وذهب ما اعتراني من ذهول وبهر, وانكشف عن نفسي ذلك الحزن والاسى, فقلت: ايها الشيخ انا احدثك بتأويل ما وقع فاني شهدت الواقعة من اولها الى اخرها فلما سمعها مني ازداد هو والحاضرون عجبا, وقال الشيخ: رحم الله فلانا – يعني – القاتل القتيل, فقد كان (سركالاً), مخلصاً لنا ولكن كنا نقبل منه دون ما فعل ولكن الامر وقع. ثم أمر الشيخ بإحضار الام المفجوعة فجيء وقد عفرت وجهها بالتراب, فقبل لها ابشري فقد انتقم الله لك من قاتل ابنك وتلك جثته هامدة فتمتمت بكلمات لم افهمها ولكنب رأيت وجهها قد بدت عليه علامات الرضا والسرور الحزين, وامر الشيخ لها ب (150) دينار أو نحو ذلك – اذ لم يبق في ذاكرتي مقداره بالضبط – كما امر لها بمقدار من الحنطة وواساها في مصيبتها كما واساها الحاضرون ثم انصرفت.
4) ذلك ما حدثني به من أثق به, ولا اشك في صدق ما حدثني به كما سمعه, كما لا اشك في صدق هذه الواقعة كما رواها صاحبها اذ لا داعي الى الكذب والاختلاق, كما ليس فيها ما يدعو الى الشك في وقوعها, فالله جل جلاله يقول (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) والاجابة قد تكون عاجلة وعلى نحو يلفت الانظار لتكون عبرة لأولي الابصار.
5) ومع هذا فقد يقول قائل: كيف تفسر هذه الواقعة في ضوء معاني الاسلام حتى نبعد عنها احتمالات الصدفة؟
والجواب على ذلك, ان الظلم سبب للهلاك, قال الله تعالى (وَتِلْكَ الْقُرَىٰ أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا) وعاقبة الظلم تصيب من صدر منه او تلبس به فردا كان او جماعة, ومن جملة عواقب الظلم هلاك الظالم او نزول العذاب به في الدنيا وان كان ذلك لا ينجيه من عذاب الآخرة. والسركال, قاتل الصبي, ارتكب بقتله ذلك الصبي ظلما واضح وفجع امه به, فو ظالم لها وله, وبالتالي تحقق فيه سبب الهلاك, هذه واحدة. والثانية ان دعوة المظلوم مستجابة, قال ﷺ في الحديث الذي رواه الامام احمد ابن حنبل رحمه الله تعالى (اتقوا دعوة المظلوم ، وإن كان كافرا ، فإنه ليس دونه حجاب) وام الصبي مظلومة, والشأن في دعوة المظلوم ان تستجاب. ثم ان الام مع كونها مفجوعة مظلومة فقد قام في قلبها – وهي ندعو الله – من حقائق الايمان ما جعل دعائها مستجابا فقد انقطع رجاؤها واملها بأي مخلوق وتعلقت بالله وحده, فكان دعاؤها خالصا وتوجهها الى الله تعالى كاملاً, مع اعتقاد جازم ويقين تام بأن الله تعالى سميع لدعائها قادر على اجاباتها, وهذه الامور من لب الايمان وحقيقته واصوله وهي من اسباب اجابة الدعاء اذا قامت في قلب الداعي, فاستجاب لها ربها على نحو تنتفي معه احتمالات الصدفة ويكون ما وقع عبرة لأولي الالباب... وليس من الصدفة التي يقبلها العاقل أن يأتي ثعبان من البرية مسرعا ويدخل الديوان ويتوجه الى السركال دون غيره.
6) وقد يقول قائل: وكم من مظلوم دعا على ظالمه بدعاء حار خالص ومع هذا بقي الظالم وهلك المظلوم, وهذا الواقع يجعل احتمال الصدفة فيما وقع للسركال احتمالاً قائماٍ بل وراجحاً.
والجواب على ذلك ان قولنا: ان دعوة المظلوم مستجابة لا تعني الاجابة الفورية ولا تعني الاجابة بالكيفية التي يريدها الداعي المظلوم, لان وجود سبب الاجابة لدعاء الداعي لا يؤدي الى نتيجته وهي الاجابة الى السرعة غيها الا اذا انتفت الموانع, وموانع الاجابة كثيرة جدا لا نحيط بها علما, ومن هذه الموانع ما يتعلق بحكمة الله, فأن الله جل جلاله كما انه هو السميع القادر الجبار المنتقم فأن من اسمائه الحسنى (الحكيم) وقد تقتضي حكمته تأخير هلاك الظالم سواء دعا عليه المظلوم أو لم يدع كما اخر جل جلاله هلاك فرعون, وقد تقتضي حكمته تعالى غير ذلك, فقد يعلم من هذا الظالم توبته في المستقبل فلا يعجل له الهلاك, جاء في الحديث المتفق عليه أن النبي ﷺ قال (كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال إنه قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال إنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم ومن يحول بينه وبين التوبة انطلق إلى أرض كذا وكذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فانطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة).
وجه الدلالة بهذا الحديث الشريف ان ذلك الرجل قتل مائة نفس ظلما وعدوانا وقد اهمله الله تعالى ولم يعجل له الهلاك لامر اقتضته حكمة الله تعالى التي ظهر لنا منها أنه تاب توبة نصوحا. ومثل اخر, كفار مكة اعتدوا على المسلمين واخرجوهم من ديارهم ظلما ثم قاتلوهم ومع ذلك لم يعجل الله لجميعهم الهلاك, فقد ابقى بعضهم حتى أسلم هذا البعض وصار من الصالحين.
7) ونخلص من ذلك كله الى ان الظلم سبب للهلاك, وان دعوة المظلوم مستجابة, ولكن اجابة دعوة المظلوم تتوقف على انتفاء موانع الاستجابة. وان الظلم يؤدي الى الهلاك اذا انتفت موانع وقوع الهلاك.
وبكلمة جامعة: ان ما جعله الله تعالى سببا لشيء فان هذا السبب لا يؤدي الى هذا الشيء الا اذا تحققت شروطه وانتفت موانعه, وهكذا الشأن في جميع الاسباب المادية والمعنوية لا تؤدي الى مسبباتها ونتائجها الا بانتفاء موانعها وتحقق شروطها.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه اجمعين والحمد لله رب العالمين.
نشرت بتاريخ: 2015-12-18 (5981 قراءة)