فيديو
الايمان بالقضاء والقدر واثره في سلوك الفرد للشيخ الدكتور عبد الكريم زيدان
.. المزيد
عن الشيخ
لم  يكتِّب  الشيخ عبدالكريم زيدان رحمه الله سيرته الذاتية بكتاب جامع لها, ولم يكن يكترث كثيرا لهذا (رحمه الله), ولكن شاء الله ان يقوم باحث في جامعة الازهر الشريف بتسجيل رسالة دكتوراه بعنوان (جهود د. عبدالكريم زيدان في خدمة الدعوة الاسلامية), وكان من متطلبات رسالته هذه ان يخصص فصل كامل فيها عن حياة الشيخ, فوجه هذا الباحث اسئلة كثيرة للشيخ أرسلها له الى صنعاء - حيث كان يقيم آنذاك – واجاب الشيخ عنها في حينها .. المزيد
حكم محاكاة القران
حكم محاكاة القرآن في غير ما نزل فيه  (استخدام الآيات القرآنية بصورة غير مناسبة في المقالات الصحفية) سؤال: إحدى الصحف نشرت في مقال لها ما نصه: (ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب البيض... ألم يجعل كيدهم في تقويض، وأرسل عليهم صقور التوحيد، وفهودا سمراً صناديد، فجعلهم في منفى أشتاتا رعاديد)  فما قولكم في مثل هذا الكلام؟ الجواب: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين، أم .. المزيد

المؤلفات --> البحوث الفقهية

مدى مشروعية الضرائب التي تفرضها الدول على الأفراد

بحث القاه الشيخ عبدالكريم زيدان ارتجالا وقام بنقله كتابة تلميذه الدكتور أحمد بن محمد بن إسماعيل الجهمي المصباحي. نُشر هذا البحث مع مجموعة اخرى في كتاب بعنوان "مجموعة بحوث فقهية معاصرة" طُبع عام 2011 ضمن مجموعة كثيرة من البحوث حول قضايا يعيشها المسلم في الوقت الحاضر. 

الضريبة في القوانين الوضعية مبلغ من النقود أو ما يقوم بالنقود تفرضه الدولة على الأفراد وهي التي تعين المال الذي تفرض فيه الضريبة ويسمى(وعاء الضريبة)، وتحدد فيه مقدارها ويسمى (سعر الضريبة)، ولا يحق للفرد أن يسترد ما يدفعه من مال للدولة بحجة أنه لم يحصل على نفع أو منفعة خاصة به مقابل ما دفعه من ضريبة، وتقصد الدولة من الضرائب تقديم الخدمات العامة لعموم الناس تحقيقاً للمصلحة والمنفعة لهم.

عناصر الضريبة الدولة دون غيرها :  وهي التي تحدد المال الذي تفرض فيه الضريبة، وهي التي تحدد مقدارها، ولا يقابلها نفع خاص لدافع الضريبة (الممول للضريبة) والغرض منها أن تقوم الدولة بالنفقات اللازمة لتحصيل الخدمات العامة التي يحتاجها الناس تحقيقاً لما ينفعهم، وتعتبر الضريبة في الوقت الحاضر لجميع الدول من أهم موارد الدولة ولا غنى لها عنها، وتجد أساسها القانوني هو أن قيام الدولة ضروري للأفراد ولكل مجتمع، ومن ضرورات قيام الدولة وبقائها وجود المال لها لإنفاقه على حاجات المجتمع وأفراده الذين لا غنى لهم عنها كحاجاتهم إلى تحقيق الأمن الداخلي والقوة اللازمة لحدود هذه الدولة وتحقيق العدالة بين الأفراد عن طريق إنشاء المؤسسات القضائية، فمصلحة المجتمع تقتضي إيجاد المال للدولة لتسد هذه الحاجات ولبقاء الدولة أيضاً، كما أن مقتضيات التضامن الاجتماعي بين الأفراد يوجب عليهم المساهمة في إيجاد المال اللازم لتحقيق خدمات أخرى ككفالة الفقراء والمحتاجين من أفراد المجتمع وللخدمات الصحية والتعليمية لجميع أفراد المجتمع، ولكي نفقه هذا الأمر لا بد من الحديث عن أهمية وجود الدولة الإسلامية.

 

ضرورة وجود الدولة الإسلامية

 إن الإسلام يأمر بإقامة الدولة الإسلامية وحكم إقامتها الوجوب، وقد قرر الفقهاء مجتمعين غير مختلفين في مسألة هي من عناصر الدولة وضرورات قيامها وهي نصب الخليفة الذي هو عنصر من عناصر الدولة التي فيها وجود الحاكم وما يقتضيه هذا المنصب والذي قد يسمى بـ (رئيس الدولة أو ملكها أو رئيس الجمهورية) مما يدل على وجود السلطة أو من يمثلها، فقد قال الفقهاء: (إن نصب الخليفة "رئيس الدولة، أمير المؤمنين، الإمام" واجب شرعي) وبعضهم قال: إن وجوبه بالشرع وبالعقل لأن الناس لا غنى لهم عن رئيس يقضي بينهم ويحقق لهم مصالحهم بما يتمتع به من سلطان ولم يخالف ما ذهب إليه الفقهاء إلا نفر قليل قالوا بعدم الدليل لا بالشرع ولا بالعقل وقولهم مردود وهم (الأصم وغيره).

الأدلة على وجوب النصَب

  أولا: قوله تعالى في سورة النساء: ( َأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ )، و (َأُوْلِي الأَمْرِ) (الحكام) وعلى رأسهم الخليفة، وإن احتمل بعضهم (العلماء) ولكن لا مانع من القول بالمعنيين وإن كان المشهور في أولى الأمر أنهم الحكام.

    ثانياً: الصحابة الكرام انشغلوا باختيار الخليفة عن تجهيز النبي   عند وفاته وقدموا الاختيار على التجهيز فدل ذلك على خطورة هذا الأمر وبالغ أهميته فهو لا يحتمل التأخير خوفاً من مغبة التأخير.

    ثالثاً: ألفاظ البيعة والطاعة وغيرها التي ربطت أحكاماً بهذه المسميات ومنع الخروج على الحاكم إلا بشروط معينة.

    رابعاً: من السنة النبوية , قوله ( لتنقضن عرى الإسلام عروة عروة فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها فأولهن نقضا الحكم و آخرهن الصلاة)  والمقصود بنقض عرى الإسلام ترك هذا الحكم، ونقض الحكم أي حرفه عن مقتضيات الحكم الشرعي فالمقصود ترك الصلاة أو التهاون فيها فدل ذلك على أن الحكم وما يتولاه من أهم عرى الإسلام وهو من عناصر الدولة.

  خامساً: أقام النبيﷺ أول دولة في المدينة بعد الهجرة، وقد أخذ يباشر الأفعال التي لا يباشرها إلا رئيس الدولة وصاحب السلطان فيها ومن ذلك عقده معاهدة مع يهود المدينة الذين كانوا يعيشون في أطرافها ومعاهدته في الحديبية بصفته رئيساً للدولة الناشئة.

   سادساً: الأحكام الشرعية التي لا تنفذ إلا بوجود رئيس دولة لتنفيذها كإقامة العقوبات وفصل الخصومات ولو جبرا، وإعداد العدة للجهاد.

ثم إن من المهم جداً أن نعلم أن الأمة الإسلامية هي التي تختار رئيسها وهي التي تخوله سلطتها لتنفيذ ما هي مطالبة به شرعاً وهو نائب يستمد سلطته من اختيار الأمة له وإعطائه سلطتها المخولة لها من قبل الشرع ومطلوب منها تسيير الأحكام التي لا يقوى الفرد على القيام بها بمفرده، وحيثما يوجد التكييف يوجد السلطان، ومع تعذر ذلك على الأفراد فقد ظهرت الحاجة والضرورة إلى ذلك.

وهذا المنصب يناله المسلم عن طريق الانتخابات والاختيار وتسمى هذه الدولة دار الإسلام وأعطاها الفقهاء حقوق الدولة وواجباتها في القانون الحديث، وأهلها أهل دار الإسلام وهو من حيث المعنى يعرف عند علماء الدستور الوضعي بالمواطنة للمواطنين الذين يحملون جنسية هذه الدولة والتبعية لها.

    سابعاً: ومن الأدلة على وجوب نصَب خليفة وبالتالي على وجوب إيجاد الدولة ما في الحديث الشريف، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله قال (إذا خرج ثلاثة في سفر فليؤمروا أحدهم)، ووجه الدلالة وجوب النصَب في الأمر المباح وهو السفر في الجماعة القليلة، فدل ذلك على وجوب ذلك في الجماعات الكثيرة لتحقيق أهداف الإسلام في إقامة الدولة.

    ثامناً: ما لا يتأتى الواجب إلا به فهو واجب, والواجبات الشرعية لا تتحقق إلا بنصب خليفة.

   تاسعاً: قوله   (ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية) كما هو ثابت في الحديث الصحيح.

أهداف وأغراض الدولة الإسلامية

يمكن أن نعرف هذه الأهداف من قوله تعالى في سورة الحج: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَر)، كما يمكن أن نستدل على هذه الأهداف والأغراض بتعريف الفقهاء للإمامة (وهي رئاسة الدولة) إذ قالوا في تعريفها: والإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة أمر الدنيا به، فأغراض الدولة الإسلامية المناطة بالخليفة الذي انتخبته الأمة هي حراسة الدين وسياسة أمر الدنيا به، وحراسة الدين تتمثل بحفظ الدين على حقيقته ومعانيه الشرعية كما أوحى الله إلى رسوله، ثم بتنفيذ هذه الأحكام الشرعية لتمثيل أمور الناس، وبهذا تتحقق الحراسة للدين، والغرض الثاني هو سياسة الدنيا به أي إدارة شئون الدنيا بهذا الدين المتعلق بجميع شئون الحياة.

وبناء على ذلك ـ ذكر العلماء على وجه الإلزام ما يجب على الخليفة من واجبات تندرج في مفهوم سياسة الدنيا بالدين كما تندرج فيما دلت عليه الآية الكريمة قال تعالى في سورة الحج: (الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْض أقاموا الصلاة) والمقصود بالتمكين في الأرض, السلطان الذي يكون للمسلمين بحكم البلاد وجعل أحكامها للمسلمين الذين يقومون بحياطة أو صيانة دين الناس، وعلى رأسها إقامة الصلاة وهي في رأس العبادات البدنية, حتى أنه ثبت في الحديث الشريف أن النبي   قال لمعاذ (إن أول ما تدعوهم إليه بعد الشهادتين الصلاة) وكان عمر يقول لولاته ذلك, ووجه الاهتمام بها أنه دليل على الاهتمام على ما سواها، وبهذا, فعلى الدولة تفقد أمر المسلمين في العبادات المختلفة وكذا ما فيه عون لذوى الحاجات، وأما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيدخل فيه جميع مطلوبات الشريعة سواء جاءت على وجه الإيجاب أو الاستحباب، ويشمل جميع المنهيات على وجه الكراهة أو التحريم.

ومن معاني الآية الكريمة التي ذكرها الفقهاء:

الاهتمام الكامل الجدي في إعداد القوة اللازمة في المحافظة على البلاد من هجوم الأعداء على دار الإسلام قالوا وفي مقدمتهم الماوردي وأبو يعلي الحنبلي رحمهما الله: تحصين الثغور وشغلها بالرجال وإمدادها بما يلزمهم من آلات القتال والسلاح وهذا الذي قالوه في هذا الباب أوجبه الله كما قال تعالى في سورة الانفال: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْل)، وهذه الآية الكريمة التي أكد الفقهاء على مفهومها جداً, هي في رأس ما يهتم به الحكام المسلمون لأنها من أولى واجبات الدولة الإسلامية، وهي من الفروض الكفائية التي يجب أن يقوم بها المسلمون لو لم يكن لهم إمام، فإذا وجد إمام مبايع فإن واجب إعداد هذه القوة ينتقل إليه فيقوم بما يلزم من هذا الإعداد إلى حد أشارت إليه الآية الكريمة, و هذا الحد هو الاستطاعة التي يجب أن تحرص عليها الدولة الإسلامية وهي أن تبلغ حد الإخافة للأعداء وإنما تتحقق الإخافة إذا كانت قوة الدولة الإسلامية أقوى من قوة الأعداء، فلا يكفى أي قوة كانت وإنما بقدر تخيف العدو فترهبهم وتمنعهم من النية لمهاجمة دار الإسلام. والقوة المطالب بها المسلمون تختلف باختلاف المكان والزمان فما نقرؤه من ضرورة تعلم الرمي بالسهام وركوب الخيل والفروسية من باب التمثيل عند الفقهاء وعلى ما شاهدوه في زمانهم، أما اليوم فلا بد من وسائل تحقيق القوة وتهيئة وسائل ذلك بتعلم العلوم المختلفة من إنشاء مختلف آلات الحرب, كذلك قال الفقهاء: (إن من واجبات الدولة ممثلة في الخليفة وما دل عليه التمكين وتعريف الخليفة، قالوا إن عليه أن يهتم بأمر الأمة ومصالحها لقوله  ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)  والمقصود بالراعي الحافظ المؤتمن على من هو تحت رعايته الملتزم تحقيق صلاح من تحت رعايته بإقامة العدل فيهم والقيام بمصالحهم فيدخل في مفهوم هذه الرعاية تحقيق كفاية الفقير، وقد نص الحديث على هذه الرعاية بالذات حيث قال (أنا أولى بالمؤمن من نفسه فمن ترك مالاً فلورثته ومن ترك ضياعاً فإلي) والمقصود بالضياع الورثة الصغار الذين لا مال لهم فهؤلاء يأتون إلى أي أكون وليهم وأرعى مصالحهم وأنفق عليهم أكثر مما كان يفعله مورثهم لو كان حياً.

وقال العيني شارح البخاري: وليس هذا خاصاً بالنبي بل هو واجب لكل خليفة للمسلمين، وما قاله صحيح, لأن الخليفة خليفة النبي في سياسته وعدله وغير ذلك, بل بلغ ذلك أمراً كبيراً جداً, فالإمام الجويني يقرر أن على الإمام رعاية الفقراء ولا يتركون هملا حيث قال (والدنيا بحذافيرها لا تعدل فقيراً من فقراء الإسلام ينتابه الضر) والضر هو سوء الحال والفقر والشدة، ويعلل الإمام الجويني هذا الاهتمام أنه لو لم يكن إمام فعلى الأغنياء مساعدة الفقراء والمحتاجين ومع اختيار الخليفة يتنقل الوجوب إليه.

وقال ابن حزم في المحلي: وواجب على الأغنياء في كل محلة كفاية فقراء محلتهم بتهيئة الطعام واللباس والسكن فإن لم يفعلوا فإن الله حسيبهم ومعاقبهم ويستدل بأدلة كثيرة منها أن عمر رضي الله عنه قال: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت أموال الأغنياء ووزعتها على فقراء المسلمين)، وفي الحديث الشريف عن أنس قال, قال (ما آمن به من بات شبعان وجاره جائع) وأدلة أخرى يقولها وهو كلام جيد, وفي حديث أبي سعيد الخدري كما في مسلم (من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل زاد فليعد به على من لا زاد له) قال أبو سعيد: "فذكر رسول الله من أصناف المال ما ذكر حتى ظننا أن لا حق لأحد منا في فضل. قال ابن حزم: إنه إجماع لقوله (حتى ظننا) لأنه ظن جميع المسلمين، ونقل ابن حزم عن كثير من الصحابة أن في المال حقاً سوى الزكاة، فرعاية الفقراء من مظاهر الدولة الإسلامية وواجباتها، ومن واجباتها: تهيئة المعلمين في دار الإسلام ونحو ذلك مما يحتاجه الناس في دينهم ودنياهم.

مدى حاجة الدولة الإسلامية إلى المال

وهذه الواجبات التي ذكرت تحتاج إلى مال، وقد قال ابن جماعة (لا سلطان بلا جند ولا جند بلا مال) ولأن الإسلام في آيات كثيرة يأمر بالإنفاق في سبيل الله والجهاد، والإنفاق على سد حاجات المجاهدين وكفاية المحتاجين من أرملة ومسكين ولا خلاف في هذا الأمر وهو -ضرورة المال للدولة الإسلامية- لتنهض بواجباتها وتتمكن من البقاء والاستمرار, وبدون المال لا أسباب لبقاء الدولة واستمرارها.

ومن أجل ذلك وجدت موارد منصوص عليها ومجمع عيها وتدخل في المفهوم المعروف من الآية و كلام الفقهاء, من ذلك:

1) الغنائم في الحروب الشرعية التي يقصد بها إعلاء كلمة الله، وما يتخذ من فداء الأسرى أو استرقاقهم فإن الرق غير منسوخ إذ لا نسخ بعد رسول الله ، وإن كان يسع الإمام عدم الاسترقاق كونه رخصة وليس واجباً.

2) الزكاة المأخوذة من أصناف معينة من ثابت ومنقول وغيره بشروط معينة فتصرف على الفقراء والمساكين وفي سبيل الله أي المجاهدين وإن قال بعضهم باتساعه لصنوف أخرى من صنوف البر وما ينفع المسلمين والزكاة من رأس المال ومن ربحه بشروط معينة.

3) الأجور: وهي ضريبة من تجار أهل الحرب إذا دخلوا دار الإسلام وهذا يدخل في جواز فرض الضرائب كما هو ثابت أن أحد العشار سأل عمر رضي الله عنه: كم نأخذ من تجارهم إذا دخلوا دارنا ، فكتب لهم, كم يأخذون من تجارنا إذا دخلوا ديارهم؟ قالوا: العُشْرُ ، قال فخذوا منهم ما يأخذون من تجارنا.

ولا مانع أن نقابلهم بالمثل إن أخذوا ضريبة أكثر من العُشْرُ إلا إذا فرضت دار الكفر ضريبة ظالمة لا تتناسب وقلة البضاعة وتستأصل أموالهم فلا تعاملهم الدولة الإسلامية بالمثل بنفس النسبة التي استوفوها من تجار المسلمين لأن هذا ظلم ولا مجاراة ولا متابعة في الظلم إلا إذا اقتضت العدالة ذلك.

4) الجِزْيَةُ وال لخَرَاج: فأما الجزية فهي ما تأخذه الدولة المسلمة على غير المسلمين الذي يخضعون للدولة الإسلامية فيأمن الذمي على عرضه ونفسه وماله بشرط عدم الإضرار والكيد والخيانة والتجسس لقاء مبلغ قليل هو (48 درهماً للغني)، (24 درهماً للمتوسط)، (12 درهماً للفقير العاجز)، فتؤخذ من الرجال فقط، والتكييف الشرعي لها أنها عنوان خضوعهم ورضاهم بالنظام الإسلامي ومساهمة في نفقات الدفاع عن دار الإسلام، وعلل الأحناف بقولهم (لما كان أهل الذمة لا تصلح أبدانهم للدفاع عن دار الإسلام لوجود الكفر الذي قد يحملهم على الكيد فقد استعيض عن ذلك بمساهمتهم بجزء يسير من مالهم) وما ذكره الحنفية هو ما نرجحه خلاف ما ذهب إليه بعضهم وهو: جعل الكفر والسكنى سبباً للجزية وهو ضعيف، لأنه لو كانت العلة كونهم كفاراً لوجبت على الصبي والمرأة، وحيث أن الدولة لا تأخذ منهم فليست عقوبة، ولو كان التعليل بالسكني صحيحاً لوجب على المجنون والمرأة وحيث لم تجب عليهم فلا يصح هذا التعليل.

وأما الخراج فهو ضريبة مالية كالتي فرضها عمر على بلاد العراق التي فتحت عنوة ولم يقسمها عمر رضي الله عنه كالمنقولات بعد أن حصل جدال, وناقشه جماعة من الصحابة حتى أغلظ بلال على عمر: كيف تمنعنا من غنيمة أعطاها الله لنا؟ واستمع إليه عمر لأن حرية الرأي مكفولة، ويتسع الفقه الإسلامي لما ذهب إليه عمر، والخليفة مخير في الأرض المحبوسة إما أن يحبسها بيد أصحابها إلى مقابل أجرة ورقبتها للمسلمين، أو يقسمها على الغانمين وقد اختار عمر الأول وقال: (إذا قسمتها فمن أين تصرف الدولة على المرابطين المجاهدين وغيرهم)، وفعله هو الرشد والصواب.

5) الفَيْء: وهو ما يرجع من غير المسلمين إلى المسلمين من غير قتال فيدخل فيه بدل الصلح، ويصرف الخراج والعشور في المصالح العامة كرواتب الجند والقضاة وإصلاح الطرق والقناطر.

6) المال الضائع الذي لا مالك له ولا يعرف صاحبه، وكذا من مات ولا وارث له فماله إلى بيت المال.

 مشروعية فرض الضرائب

 فرض الضرائب لسد نفقات الدولة على الخدمات وقيامها بواجباتها فهي لا تعطي للخليفة ليتصرف فيها بنفسه فهو يأخذها منهم للحاجة الضرورية في توفير الأمن والأمان والعدل، فإذا قلت موارد بيت المال وتحققت الكفاية للفقراء فبها ونعمت ولا حاجة للضرائب، وإن لم تكف فهل يجوز فرض الضرائب على أموال المسلمين؟

الجواب:  نص الفقهاء على هذه الصلاحية بالنص الصريح فالإمامان الشاطبي و الجويني قالا: إذا خلا بيت المال وكانت حاجة في توظيف الضرائب في مال الأغنياء جاز إما على وجه الاستقراض أو الأخذ، وواضح من ذلك أن بقاء الجند يستلزم إيجاد رواتب لهم.

وهذا الذي ذكره العلماء من مشروعية فرض الضرائب في حالة حاجة الدولة الإسلامية إلى المال للقيام بمتطلبات الجند والقتال، ولا يمنع ذلك من أن يسحب قولهم ويعمم بالنسبة لجميع حاجات الدولة الأخرى، ويجب أن نقدم الضوابط العامة لموضوعنا وقد يكون من الأرجح ذكر بعض القواعد. 

القاعدة الأولى: وتشمل ثلاثة أمور:

    أولاً: لولي الأمر (الخليفة) أن يجتهد فيما يجب أن يقوم به لتحقيق ما هو مكلف به وهو (سياسة الدنيا بالدين ) أي إدارة شئون الدولة حسب أحكام وضوابط الدين. 

ومن المعلوم أن ما يجتهد فيه الإمام فيما لم يرد فيه نص شرعي قطعي في ثبوته ودلالته يدخل في دلالة الاجتهاد السائغ.

    ثانياً: الواجب على الرعية طاعة ولي الأمر فيما يجتهد فيه مما يدخل ضمن مسائل الاجتهاد ويحرم عليهم مخالفته في ذلك، ولا يصح الاحتجاج بدفع هذه الطاعة لولي الأمر بحجة أن هناك اجتهاداً يخالف اجتهاد ولي الأمر، فمثل هذا لا يجوز ولو جاز هذا لما استطاع القاضي الفصل بين الخصوم لأنه قد يعترض عليه إن صدر حكماً وخالف غيره بحجة أن حكمه يخالف اجتهاد أحد الخصوم أو اجتهاد من يتبعه هذا الخصم، وهذه النتيجة باطلة وما يؤدي إلى الباطل فهو باطل.

    ثالثاً: فرض الضرائب على المواطنين عند الحاجة إلى المال هو من المسائل الاجتهادية السائغ الاجتهاد فيها فله أن يفرض الضريبة من حيث المقدار والمال الذي تجب فيه لتحقيق السياسة لأمور الدنيا بالدين.

وقد قال الإمام الجويني: إن للإمام أن يفرض ضرائب على الزروع والثمار والمتوالدات لتغذية بيت المال بالمال اللازم وهذه الضرائب يسيره لا يجوز الاعتراض عليها، ويعلل الجويني ذلك فيقول: لو لم يكن إمام مطاع لاضطر أصحاب الزروع إلى من يحرس زرعهم ويقدمون له أضعاف هذه الضرائب، وتحقيق هذه الحراسة والأمن لهم إنما يكون عن طريق توظيف العدد الكافي من الحراس الذين يتفرعون لهذا المطلب والذين يتعين عليهم هذه الحراسة وبالتالي يجب إعطاؤهم ما يكفي من بيت المال، وهذه المالية أو ما يقوم مقامها قد تكون خاصة عن طريق المواطنين وقد تكون عامة والقياس للإمام.

القاعدة الثانية: يمكن للإمام أن يمنع من الاستفادة من مال المواطن لتوجيه هذه المنفعة للآخرين، ويدل على ذلك أن النبي منع المسلمين من ادخار لحوم الأضاحي وكان في هذا المنع المتضمن لنهيهم عن الانتفاع بما يملكونه هو لأجل (الدافَّة) أي لأجل مجيء الأعراب إلى المدينة واحتياجهم إلى المعونة من إخوانهم في المدينة وفي الحديث الشريف (كنت نهيتكم لأجل الدافَّةُ  ألا فكلوا وادخروا) فيجوز لولي الأمر أن يتدخل في أموال المواطنين ويوجهها.

القاعدة الثالثة: الإمام مكلف بتنفيذ أحكام الشرع وما هو من الواجبات الكفائية ومن ذلك إعداد القوة الذي هو واجب على المسلمين وقد مكنه المسلمون وأعطوه الصلاحية فله أن يهيئ الوسائل والأسباب التي تحقق هذا الفرض وهو إعداد القوة وعلى رأس ذلك تهيئة المال فله أن يدعو المواطنين لبذله وله أن يضرب ضرائب لبيت المال, ولا يقال بأن النبيﷺما كان يفرض مثل هذه الضرائب على المسلمين فكيف تجوزون ذلك لولاة الامر؟

والجواب: أن النبيﷺ بمجرد إخبارهم بالحاجة إلى المال كان ذلك كافياً لمسارعتهم ولا حاجة إلى إلزامهم، وأما الآن فقد تغير الحال, وقد يتدافع المسلمون فنعمل بهذا دفعا لهذه الإشكالات كما فعل سيدنا عمر رضي الله عنه عندما ترك أرض العراق لأهلها وفرض عليهم ضريبة الخراج سداً لحاجات الدولة.

والقاعدة الرابعة:  أن الإمام مكلف بما يصلح الرعية والراعي هو الحافظ المؤتمن على رعيته وهو مسئول أمام الله إن قَصَّرَ ومن الواجب النظر إلى ما يحتاجون ويحقق مصلحتهم ليس للحال فقط بل للمستقبل، كما لو خلى بيت المال وهذا ليس بقيد وليس من السياسة الرشيدة, بل له أن يفرض الضرائب ويغذي بيت المال ولا يكون أقل حرصاً من ولي الصغير الذي ينظر إلى مصلحة الصبي المستقبلية لا الآنية.

القاعدة الخامسة: وجوب رعاية ذوي الحاجات والأوامر بذلك لو كانت ندبا فلولي الأمر أن يأمر بالمندوب لتحقيق المصلحة من تلاحم الأفراد وتكافلهم وزوال الحساسيات عندما يجد الفقراء أنفسهم في ضياع ولا يهتم بهم ولي الأمر والأغنياء، بل إن الأحاديث تشير إلى الوصول إلى مرتبة الواجب الكفائي الذي يقوم به الخليفة.

القاعدة السادسة: جواز تقييد المباح لمصلحة كما منع عمر بعض الصحابة من الخروج من المدينة لحاجة وهذا كله يعطي لولى الأمر ساحة واسعة من الاجتهادات المتعلقة بأمور الدولة، وتنوع الضرائب مطلوب ويتسع اجتهاد الإمام له، ولا بأس من الاستفادة من تنظيمات الدول الأخرى كما استفاد عمر من الفرس في تدوين الدواوين وكما في غزوة الخندق حيث استفاد النبي من إشارة سلمان رضي الله عنه. 

القاعدة السابعة: صيانة المال عن طريق فرض الضرائب للمصلحة العامة لا ينتفع به الإمام لمصلحته الخاصة.

القاعدة الثامنة: هذه الضرائب لا تسد مسد الزكاة لأن الزكاة فريضة إلهية محدد مصارفها وأما الضرائب فهي ما عدا ما شرعه الإسلام لحاجة الدولة إلى زيادة مال وقد لا تكفي فأباح الشرع لولي الأمر فرض الضريبة ولأن المواطنين ينتفعون بخدمات الدولة لأن الغُرْمُ بالغُنْم ومن انتفع بشي تحمل تكاليفه ومصاريفه وينتفع المواطن بالأمن والمؤسسات التعليمية والقضائية والصحية وتعبيد الطرق وتحصين الثغور فيجب أن يشارك في مصاريف الخدمات العامة، ألا ترى أن من انتفع بمال مشترك دفع حصته.

والخلاصة: يجوز لولي الأمر فرض ضرائب مالية وهي ما يسمى (وعاء الضريبة) ويحدد مقدارها للنفقة على متطلبات الدولة و مصالح الرعية مع مراعاة القواعد التي لاحظها سيدنا عمر رضي الله عنه ويقول علماء الاقتصاد إن هذه القواعد هي:

1) العدالة بحيث لا تجحف ولا ترهق المواطن حتى الزكاة لا تجب إلا إذا وصلت حداً معيناً (نصاب الزكاة) حتى لا يرهق المسلم، وعمر رضي الله عنه حينما أرسل عثمان بن حنيف رضي الله عنه لتقدير أراضي الخراج, أوصاهم أن لا يرهقوا الناس بما فرضوه وبقدر ما تطيق الأرض من ملاحظة وفرة المياه لأن الخراج إما ضريبة مالية حسب المساحة وإما ضريبة حسب الخارج، والفرق بين الاثنين أن الخراج النقدي يؤخذ من صاحب الأرض زرعها أم لم يزرعها، وأما الخراج الآخر فلا بد من الزارعة، وإن أهملها يمنع من ذلك.

2) تحديد الضريبة أي يتوافر فيها اليقين ويكون مقدارها معروفاً.

3) سعر الضريبة كالعشور، ويحدد المال الذي تؤخذ منه.

4) الملاءمة: أي تؤخذ في وقت يستطيع المكلف فيه أن يدفع الضريبة, والزكاة تؤخذ بعد سنة حيث يتم الربح، وكذا الزروع لا تكون الزكاة فيها مقدمة وفيها مصلحة للدولة والممون.

ولو كانت الدولة غنية فلا حاجة للضرائب كدولة بترولية, والدولة كالبيت للمواطنين وكما أن المواطن يحرص على ترميم بيته فعليه أن يحرص على دولته.

ملاحظات أخرى:

أ- تعيين الموظفين الأمناء الأكفاء لجباية الضرائب حتى لا يستغلوا مراتبهم الوظيفية وأن تكون عندهم القدرة والخبرة في جباية الضرائب.

ب- تكوين هيئة مراقبة لهذه الجبايات وقد كان عليه الصلاة والسلام يحاسب الجُبَاة, فحين أرسل ابن اللتبية الذي قال: هذا لكم وهذا أهدي إليّ فقال : (أفلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر هل تأتيه هديته) فلا ينزلق الجابي في هذه الشبهة, وقد ولى عمر رضي الله عنه رجلاً على البحرين فتاجر, فقال له عمر: (إنما حَصَّلْتَ ذلك بسبب الولاية فقاسمه في المال). ومن الوسائل النافعة لتحديد الضرائب عند الحاجة إلى المال أن يغرس الحاكم في المواطنين معاني الإيمان ويبصرهم بواجبهم نحو دولتهم بإمداد المال حتى تبقى لتقوم بما فرضه الله تعالى وأمر به وعليه أن يرشدهم إلى حقيقة معينة وهي في قوله تعالى في سورة الحديد: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ)، قال القرطبي: الآية تشير وتبين للمسلمين أن هذا المال الذي بأيديكم جعلكم الله خلفاء أي خلفا وعقبا لغيركم في تملك هذا المال، وأنتم في الحقيقة لستم بملاك، والمال مال الله، قال تعالى في سورة النور (وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّه)، فأنتم أيها المسلمون وكلاء عن موكليكم، والوكيل يتصرف في المال الموكل فيه وفق ما يأذن الموكل وقوله تعالى في سورة يس: ( َهُمْ لَهَا مَالِكُونَ) على سبيل المجاز, وقوله تعالى في سورة النساء: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُم) فهي إضافة غير حقيقية بل مجازية، والمالك الحقيقي هو الله تعالى، والمُلك هو الاختصاص بالشيء على جهة الانفراد، وولي الأمر يبين علاقة الناس بالمال وعليهم أن ينفقوه فيما يحب الله.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.

الدكتور عبدالكريم زيدان


طباعة هذه الصفحة طباعة هذه الصفحة

نشرت بتاريخ: 2015-02-19 (7428 قراءة)